المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٧٣
قوله عز وجل :
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٨٨ الى ٩٣]
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)
هذا وصف حال الأشياء يوم القيامة عقب النفخ في الصور، و«الرؤية» هي بالعين وهذه الحال «للجبال» هي في أول الأمر تسير وتموج وأمر اللّه تعالى ينسفها ويفتها خلال ذلك فتصير كالعهن، ثم تصير في آخر الأمر هباء منبثا، و«الجمود»، التضام والتلزز في الجوهر، قال ابن عباس جامِدَةً قائمة، ونظيره قول الشاعر [النابغة] :[الطويل ]
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج
وصُنْعَ اللَّهِ مصدر معرف والعامل فيه فعل مضمر من لفظه، وقيل هو نصب على الإغراء بمعنى انظروا صنع اللّه، و«الإتقان» الإحسان في المعمولات وأن تكون حسانا وثيقة القوة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «يفعلون» بالياء وقرأ الباقون «تفعلون» بالتاء على الخطاب، و«الحسنة» الإيمان، وقال ابن عباس والنخعي وقتادة : هي لا إله إلا اللّه، وروي عن علي بن الحسين أنه قال : كنت في بعض خلواتي فرفعت صوتي ب «لا إله إلا اللّه» فسمعت قائلا يقول إنها الكلمة التي قال اللّه فيها مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وقوله خَيْرٌ مِنْها يحتمل أن يكون للتفضيل، ويكون في قوله مِنْها حذف مضاف تقديره خير من قدرها واستحقاقها، بمعنى أن اللّه تعالى تفضل عليه فوق ما تستحق حسنته، قال ابن زيد : يعطى بالواحدة عشرا والداعية إلى هذا التقدير أن الحسنة لا يتصور بينها وبين الثواب تفضيل، ويحتمل أن يكون خبر ليس للتفضيل بل اسم للثواب والنعمة، ويكون قوله تعالى : مِنْها لابتداء الغاية، أي هذا الخير الذي يكون له هو من حسنته وبسببها، وهذا قول الحسن وابن جريج، وقال عكرمة : ليس شيء خيرا من لا إله إلا اللّه، وإنما له الخير منها، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «من فزع» بالإضافة، ثم اختلفوا في فتح الميم وكسرها من يَوْمَئِذٍ فقرأ أكثرهم بفتح الميم على بناء الظرف لما أضيف إلى غير متمكن، وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع بكسر الميم على إعمال الإضافة، وذلك أن الظروف إذا أضيفت إلى غير متمكن جاز بناؤها وإعمال الإضافة فيها.
ومن ذلك قول الشاعر [النابغة الذبياني ] :[الطويل ]
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألمّا أصح والشيب وازع


الصفحة التالية
Icon