«ما» في قوله فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ بمنزلة لام القسم : في أنها إذا دخلت دخلت معها النون المؤكدة، والمعنى : فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ونشفى صدور المؤمنين منهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أشد الانتقام في الآخرة، كقوله تعالى : أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ وإن أردنا أن ننجز في حياتك ما وعدناهم من العذاب النازل بهم وهو يوم بدر، فهم تحت ملكتنا وقدرتنا لا يفوتوننا : وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال ثم أتبعه شدة الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة.
وقرئ : نرينك، بالنون الخفيفة. وقرئ : بالذي أوحى إليك، على البناء للفاعل، وهو اللّه عز وجل والمعنى : وسواء عجلنا لك الظفر والغلبة أو أخرنا إلى اليوم الآخر. فكن مستمسكا بماأوحينا إليك وبالعمل به فإنه الصراط المستقيم الذي لا يحيد عنه إلا ضال شقى، وزد كل يوم صلابة في المحاماة على دين اللّه، ولا يخرجك الضجر بأمرهم إلى شيء من اللين والرخاوة في أمرك، ولكن كما يفعل الثابت «١» الذي لا ينشطه تعجيل ظفر، ولا يثبطه تأخيره.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٤٤ إلى ٤٥]
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)
وَإِنَّهُ وإنّ الذي أوحى إليك لَذِكْرٌ لشرف لَكَ وَلِقَوْمِكَ، وَلسوف تُسْئَلُونَ عنه يوم القيامة، وعن قيامكم بحقه، وعن تعظيمكم له، وشكركم على أن رزقتموه وخصصتم به من بين العالمين، ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال لإحالته، ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم، هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء؟ وكفاه نظرا وفحصا «٢» : نظره في كتاب اللّه المعجز المصدّق لما بين يديه، وإخبار اللّه فيه بأنهم يعبدون من دون اللّه ما لم ينزل به سلطانا. وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها، والسؤال الواقع مجازا عن النظر، حيث لا يصح السؤال على الحقيقة : كثير منه مساءلة الشعراء الديار والرسوم والأطلال. وقول من قال : سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟ فإنها إن لم تجبك حوارا «٣» أجابتك اعتبارا. وقيل له : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم جمع له الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس فأمّهم. وقيل له : سلهم، فلم يشكك ولم يسأل. وقيل : معناه سل أمم من أرسلنا وهم أهل الكتابين : التوراة والإنجيل. وعن
(١). قوله «و لكن كما يفعل الثابت» لعله : وكن. أو لعله : ولكن كن. (ع)
(٢). قال محمود :«سؤال الرسل مجاز عن الفحص في شرائعهم والنظر في مللهم... الخ» قال أحمد : ويشهد لارادة سؤال الأمم فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ واللّه أعلم.
(٣). قوله «تجبك حوارا» أى مخاطبة بالنطق. في الصحاح : استحاره، أى : استنطقه. (ع)