مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٨٥
لما بين حالهم في الدنيا أنهم يلعنون ويهانون ويقتلون أراد أن يبين حالهم في الآخرة فذكرهم بالقيامة وذكر ما يكون لهم فيها فقال : يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ أي عن وقت القيامة قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ لا يتبين لكم، فإن اللّه أخفاها لحكمة هي امتناع المكلف عن الاجتراء وخوفهم منها في كل وقت.
ثم قال تعالى : وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً إشارة إلى التخويف، وذلك لأن قول القائل اللّه يعلم متى يكون الأمر الفلاني ينبئ عن إبطاء الأمر، ألا ترى أن من يطالب مديونا بحقه فإن استمهله شهرا أو شهرين ربما يصبر ذلك، وإن قال له اصبر إلى أن يقدم فلان من سفره يقول اللّه يعلم متى يجيء فلان، ويمكن أن يكون مجيء فلان قبل انقضاء تلك المدة فقال هاهنا : وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً يعني هي في علم اللّه فلا تستبطئوها فربما تقع عن قريب والقريب فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث، قال تعالى : إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف : ٥٦] ولهذا لم يقل لعل الساعة تكون قريبة.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٦٤ إلى ٦٥]
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥)
ثم قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً يعني كما أنهم ملعونون في الدنيا عندكم فكذلك ملعونون عند اللّه وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً كما قال تعالى : لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً [الأحزاب : ٥٧] خالِدِينَ فِيها أَبَداً مطيلين المكث فيها مستمرين لا أمد لخروجهم.
وقوله : لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. لما ذكر خلودهم بين تحقيقه وذلك لأن المعذب لا يخلصه من العذاب إلا صديق يشفع له أو ناصر يدفع عنه، ولا ولي لهم يشفع ولا نصير يدفع. ثم قال تعالى :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٦٦ إلى ٦٨]
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨)
لما بين أنه لا شفيع لهم يدفع عنهم العذاب بين أن بعض أعضائهم أيضا لا يدفع العذاب عن البعض بخلاف عذاب الدنيا فإن الإنسان يدفع عن وجهه الضربة اتقاء بيده فإن من يقصد رأسه ووجهه تجده يجعل يده جنة أو يطأطئ رأسه كي لا يصيب وجهه، وفي الآخرة تقلب وجوههم في النار فما ظنك بسائر أعضائهم التي تجعل جنة للوجه ووقاية له يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا فيتحسرون ويندمون حيث لا تغنيهم الندامة والحسرة، لحصول علمهم بأن الخلاص ليس إلا للمطيع. ثم يقولون : إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا يعني بدل طاعة اللّه تعالى أطعنا السادة وبدل طاعة الرسول أطعنا الكبراء وتركنا طاعة سيد السادات وأكبر الأكابر / فبدلنا الخير بالشر، فلا جرم فاتنا خير الجنان وأوتينا شر النيران، ثم إنهم يطلبون بعض التشفي بتعذيب المضلين ويقولون : رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً أي بسبب ضلالهم وإضلالهم وفي قوله تعالى : ضِعْفَيْنِ (مِنَ الْعَذابِ) وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً معنى لطيف وهو أن الدعاء لا يكون إلا عند عدم حصول الأمر