مفاتيح الغيب، ج ٢٥، ص : ١٨١
المسألة الثانية : قدم الآباء لأن اطلاعهم على بناتهن أكثر، وكيف وهم قد رأوا جميع بدن البنات في حال صغرهن، ثم الأبناء ثم الإخوة وذلك ظاهر. إنما الكلام في بني الإخوة حيث قدمهم اللّه تعالى على بني الأخوات، لأن بني الأخوات آباؤهم ليسوا بمحارم إنما هم أزواج خالات أبنائهم، وبني الأخوة آباؤهم محارم أيضا، ففي بني الأخوات مفسدة ما وهي أن الابن ربما يحكي خالته عند أبيه وهو ليس بمحرم ولا كذلك بنو الإخوة.
المسألة الثالثة : لم يذكر اللّه من المحارم الأعمام والأخوال، فلم يقل ولا أعمامهن ولا أخوالهن لوجهين أحدهما : أن ذلك علم من بني الإخوة وبني الأخوات، لأن من علم أن بني الأخ للعمات محارم علم أن بنات الأخ للأعمام محارم، وكذلك الحال في أمر الخال ثانيهما : أن الأعمام ربما يذكرون بنات الأخ عند أبنائهم وهم غير محارم، وكذلك الحال في ابن الخال.
المسألة الرابعة : وَلا نِسائِهِنَّ مضافة إلى المؤمنات حتى لا يجوز التكشف للكافرات في وجه.
المسألة الخامسة : وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ هذا بعد الكل، فإن المفسدة في التكشف لهم ظاهرة، ومن الأئمة من قال المراد من كان دون البلوغ.
ثم قوله تعالى : وَاتَّقِينَ اللَّهَ عند المماليك دليل على أن التكشف لهم مشروط بشرط السلامة والعلم بعدم المحذور. وقوله : إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً في غاية الحسن في هذا الموضع، وذلك لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم، فقال إن اللّه شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض، فخلوتكم مثل ملئكم بشهادة اللّه تعالى فاتقوا.
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٦]
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)
ثم قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ لما أمر اللّه المؤمنين بالاستئذان وعدم النظر إلى وجوه نسائه احتراما كمل بيان حرمته، وذلك لأن حالته منحصرة في اثنتين حالة خلوته، وذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ وحالة يكون في ملأ. والملأ إما الملأ الأعلى، وإما الملأ الأدنى، أما في الملأ الأعلى فهو محترم، فإن اللّه وملائكته يصلون عليه. وأما في الملأ الأدنى فذلك واجب الاحترام بقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً وفي الآية مسائل :
الأولى : الصلاة الدعاء يقال في اللغة صلى عليه، أي دعا له، وهذا المعنى غير معقول في حق اللّه تعالى فإنه لا يدعو له، لأن الدعاء للغير طلب نفعه من ثالث. فقال الشافعي رضي اللّه عنه استعمل اللفظ بمعان، وقد تقدم في تفسير قوله : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب : ٤٣] والذي نزيده هاهنا هو أن اللّه تعالى قال هناك : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ جعل الصلاة للّه وعطف الملائكة على اللّه، وهاهنا جمع نفسه وملائكته وأسند الصلاة إليهم فقال : يُصَلُّونَ وفيه تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لأن إفراد الواحد بالذكر وعطف الغير عليه يوجب تفضيلا للمذكور على المعطوف، كما أن الملك إذا قال يدخل فلان وفلان أيضا يفهم منه تقديم لا يفهم لو قال فلان وفلان يدخلان، إذا علمت هذا، فقال في حق النبي عليه السلام إنهم يصلون إشارة إلى أنه في الصلاة على النبي عليه السلام كالأصل وفي الصلاة على المؤمنين