البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٠٣
كثير، وكلام اللّه صدق. قال تعالى في سورة الشعراء : كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ «١» وقيل : قوما آخرين ممن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل. فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ : استعارة لتحقير أمرهم، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء. ويقال في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس. وقال زيد بن مفرغ :
الريح تبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه
وقال جرير :
فالشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
وقال النابغة :
بكى حادث الجولان من فقد ربه وحوران منه خاشع متضائل
وقال جرير :
لما أتى الزهو تواضعت سور المدينة والجبال الخشع
ويقول في التحقير : مات فلان، فما خشعت الجبال. ونسبة هذه الأشياء لما لا يعقل ولا يصير ذلك منه حقيقة، عبارة عن تأثر الناس له، أو عن عدمه. وقيل : هو على حذف مضاف، أي : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الملائكة وأهل الأرض، وهم المؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين. روي ذلك عن الحسن. وما
روي عن علي، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير : إن المؤمن إذا مات، بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحا، وبكى عليه السماء موضع صعود عمله.
قالوا : فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله تمثيل. وَما كانُوا مُنْظَرِينَ : أي مؤخرين عن العذاب لما حان وقت هلاكهم، بل عجل اللّه لهم ذلك في الدنيا.
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ، مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ، وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ، وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ، إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ، إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ، فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ، وَما خَلَقْنَا

(١) سورة الشعراء : ٢٦/ ٥٩.


الصفحة التالية
Icon