البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٧٠
مسعود الثقفي. قال قتادة : بلغنا أنه لم يبق فخذ من قريش إلا ادعاه، وكان الوليد بن المغيرة يسمى ريحانة قريش، وكان يقول : لو كان ما يقول محمد حقا لنزل عليّ أو على ابن مسعود، يعني عروة بن مسعود، وكان يكنى أبا مسعود.
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟ فيه توبيخ وتعجيب من جهلهم، كأنه قيل : على اختيارهم وإرادتهم تقسم الفضائل من النبوة وغيرها. ثم في إضافته في قوله : رَحْمَةِ رَبِّكَ، تشريف له صلى اللّه عليه وسلم، وأن هذه الرحمة التي حصلت لك ليست إلا من ربك المصلح لحالك والمربيك. ثم أخبر تعالى أنه هو الذي قسم المعيشة بينهم، فلم يحصل لأحد إلا ما قسمه تعالى. وإذا كان هو الذي تولى ذلك، وفاوت بينهم، وذلك في الأمر الفاني، فكيف لا يتولى الأمر الخطير، وهو إرسال من يشاء، فليس لكم أن تتخيروا من يصلح لذلك، بل أنتم عاجزون عن تدبير أموركم. وقرأ الجمهور : معيشتهم، على الإفراد وعبد اللّه، والأعمش، وابن عباس، وسفيان : معائشهم، على الجمع. والجمهور : سخريا، بضم السين وعمرو بن ميمون، وابن محيصن وابن أبي ليلى، وأبو رجاء، والوليد بن مسلم، وابن عامر : بكسرها، وهو من التسخير، بمعنى : الاستعباد والاستخدام، ليرتفق بعضهم ببعض ويصلوا إلى منافعهم. ولو تولى كل واحد جميع أشغاله بنفسه، ما أطاق ذلك وضاع وهلك. ويبعد أن يكون سخريا هنا من الهزء، وقد قال بعضهم : أي يهزأ الغني بالفقير.
وفي قوله : نَحْنُ قَسَمْنا، تزهيد في الإكباب على طلب الدنيا، وهون على التوكل على اللّه. وقال مقاتل : فاضلنا بينهم، فمن رئيس ومرؤوس. وقال قتادة : تلقى ضعيف القوة، قليل الحيلة، غني اللسان، وهو مبسوط له وتلقى شديد الحيلة، بسيط اللسان، وهو مقتر عليه. وقال الشافعي، رحمه اللّه :
ومن الدليل على القضاء وكونه بؤس الفقير وطيب عيش الأحمق
ورحمة ربك : قيل النبوة، وقيل : الهداية والإيمان. وقال قتادة والسدي : الجنة خير مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا، وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا وما جمع فيها من متاعها.
وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ، وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ، وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ، حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ