البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٦٢
قلوبكم، نِعْمَةَ رَبِّكُمْ، معترفين بها مستعظمين لها. لا يريد الذكر باللسان بل بالقلب، ولذلك قابله بقوله : وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا، أي تنزهوا اللّه بصريح القول.
وجاء
في الحديث :«أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم اللّه، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد للّه على كل حال، سبحان الذي سخر لنا هذا، إلى قوله لمنقلبون، وكبر ثلاثا وهلل ثلاثا، وقالوا : إذا ركب في السفينة قال : بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها «١» إلى رحيم، ويقال عند النزول منها : اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين».
والقرن : الغالب الضابط المطيق للشيء، يقال : أقرن الشيء، إذا أطاقه.
قال ابن هرمة :
وأقرنت ما حملتني ولقلما يطاق احتمال الصدياد عدو الهجر
وحقيقة أقرنه : وجده، قرينته وما يقرن به : لأن الصعب لا يكون قرينة للضعف. قال الشاعر :
وابن اللبون إذا ما لذ في قرن لم يستطع صولة البذل القناعيس
والقرن : الحبل الذي يقرن به. وقال أبو عبيد : فلان مقرن لفلان، أي ضابط له، والمعنى : أنه ليس لنا من القوة ما نضبط به الدابة والفلك، وإنما اللّه الذي سخرها. وأنشد قطرب لعمرو بن معد يكرب :
لقد علم القبائل ما عقيل لنا في النائبات بمقرنينا
وقرىء : لمقترنين، اسم فاعل من اقترن. وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ : أي راجعون، وهو إقرار بالرجوع إلى اللّه، وبالبعث، لأن الراكب في مظنة الهلاك بالغرق إذا ركب الفلك، وبعثور الدابة، إذ ركوبها أمر فيه خطر، ولا تؤمن السلامة فيه. فقوله هذا تذكير بأنه مستشعر الصيرورة إلى اللّه، ومستعد للقائه، فهو لا يترك ذلك من قلبه ولا لسانه.
وَجَعَلُوا لَهُ : أي وجعل كفار قريش والعرب له، أي للّه. من عباده : أي ممن هم عبيد اللّه. جزءا، قال مجاهد : نصيبا وحظا، وهو قول العرب : الملائكة بنات اللّه. وقال قتادة جزءا، أي ندا، وذلك هو الأصنام وفرعون ومن عبد من دون اللّه. وقيل : الجزء : الجزء : الإناث.
قال بعض اللغويين : يقال أجزأت المرأة، إذا ولدت أنثى. قال الشاعر :

(١) سورة هود : ١١/ ٤١.


الصفحة التالية
Icon