البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٦٠
وينتصب على الحال، أي صافحين معرضين. وقال ابن عطية : صفحا، انتصابه كانتصاب صنع اللّه. انتهى. يعني أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، فيكون العامل فيه محذوفا، ولا يظهر هذا الذي قاله، فليس انتصابه انتصاب صنع اللّه. وقرأ نافع والإخوان :
بكسر الهمزة، وإسرافهم كان متحققا. فكيف دخلت عليه إن الشرطية التي لا تدخل إلا على غير المتحقق، أو على المتحقق الذي أنبهم زمانه؟ قال الزمخشري : هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير : إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه، استجهالا له. وقرأ الجمهور : أن بفتح الهمزة، أي من أجل أن كنتم. قال الشاعر :
أتجزع أن بان الخيط المودع وقرأ زيد بن علي : إذ كنتم، بذال مكان النون، لما ذكر خطابا لقريش، أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ؟ وكان هذا الإنكار دليلا على تكذيبهم للرسول، وإنكارا لما جاء به. آنسه تعالى بأن عادتهم عادة الأمم السابقة من استهزائهم بالرسل، وأنه تعالى أهلك من كان أشد بطشا من قريش، أي أكثر عددا وعددا وجلدا. وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ : أي فليحذر قريش أن يحل بهم مثل ما حل بالأولين مكذبي الرسل من العقوبة. قال معناه قتادة : وهي العقوبة التي سارت سير المثل، وقيل : مثل الأولين في الكفر والتكذيب، وقريش سلكت مسلكها، وكان مقبلا عليهم بالخطاب في قوله : أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ؟ فأعرض عنهم إلى إخبار الغائب في قوله : فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ : احتجاج على قريش بما يوجب التناقض، وهو إقرارهم بأن موجد العالم العلوي والسفلي هو اللّه، ثم هم يتخذون أصناما آلهة من دون اللّه يعبدونهم ويعظمونهم. قال ابن عطية : ومقتضى الجواب أن يقولوا خلقهن اللّه، فلما ذكر تعالى المعنى، جاءت العبارة عن اللّه تعالى بالعزيز العليم، ليكون ذلك توطئة لما عدد من أوصافه الذي ابتدأ الإخبار بها، وقطعها من الكلام الذي حكي معناه عن قريش. انتهى. وقال الزمخشري : لينسبن خلقها إلى الذي هذه أوصافه، وليسندنه إليه. انتهى. والظاهر أن :
خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ نفس المحكي من كلامهم، ولا يدل كونهم ذكروا في مكان خلقهن اللّه، أن لا يقولوا في سؤال آخر. خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.