البحر المحيط، ج ٩، ص : ٣٤٩
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً. ولما كان العقم ليس بمحمود قال : وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً، وهو قسيم لمن يولد له. ولما كانت الخنثى مما يحزن بوجوده، لم يذكره تعالى. قالوا :
وكانت الخلقة مستمرة، ذكرا وأنثى، إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى،
فسئل فارض العرب ومعمرها عامر بن الظرب عن ميراثه، فلم يدر ما يقوله وأرجأهم. فلما جن عليه الليل، جعل يتقلب وتذهب به الأفكار، وأنكرت خادمه حاله فسألته، فقال : بهرت لأمر لا أدري ما أقول فيه، فقالت له : ما هو؟ فقال : شخص له ذكر وفرج، كيف يكون حاله في الميراث؟ قالت له الأمة : ورثه من حيث يبول، فعقلها وأصبح فعرضها عليهم، فرضوا بها.
وجاء الإسلام على ذلك، وقضى بذلك علي، كرم اللّه وجهه، إنه عليم بمصالح العباد، قدير على تكوين ما يشاء.
كان من الكفار خوض في معنى تكليم اللّه موسى، فذهبت قريش واليهود في ذلك إلى التجسيم، فنزلت. وقيل : كانت قريش تقول : ألا تكلم اللّه وتنظر إليه إن كنت نبيا صادقا، كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال لهم الرسول عليه السلام :«لم ينظر موسى إلى اللّه»، فنزلت : وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ
، بيانا لصورة تكليم اللّه عباده أي ما ينبغي ولا يمكن البشر إلا يوحى إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام. قال مجاهد : أو النفث في القلب.
وقال النقاش : أو وحي في المنام. وقال النخعي : كان في الأنبياء من يخط له في الأرض، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزا، كموسى عليه السلام، وهذا معنى مِنْ وَراءِ حِجابٍ : أي من خفاء عن المتكلم، لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه، وليس كالحجاب في المشاهد، أو بأن يرسل إليه ملكا يشافهه بوحي اللّه تعالى، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : وما صح لأحد من البشر أن يكلمه اللّه إلا على ثلاثة أوجه :
إما على طريق الوحي، وهو الإلهام والقذف في القلب والمنام، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده. وعن مجاهد : أوحى اللّه الزبور إلى داود عليه السلام في صدره، قال عبيد بن الأبرص :
وأوحى إلى اللّه أن قد تأمروا بابن أبي أوفى فقمت على رجل
أي : ألهمنى وقذف في قلبي.
وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئي. مِنْ وَراءِ حِجابٍ مثل، أي : كما يكلم الملك