البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٦٦
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ، هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
ولما ذكر ما حل بآل فرعون، واستطرد من ذلك إلى ذكر شيء من أحوال الكفار في الآخرة، عاد إلى ذكر ما منح رسوله موسى عليه السلام فقال : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى تأنيسا لمحمد عليه السلام، وتذكيرا لما كانت العرب تعرفه من قصة موسى عليه السلام.
والهدى، يجوز أن يكون الدلائل التي أوردها على فرعون وقومه، وأن يكون النبوة، وأن يكون التوراة. وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ : الظاهر أنه التوراة، توارثوها خلف عن سلف، ويجوز أن يكون الكتاب أريد به : ما أنزل على بني إسرائيل من كتب أنبيائهم، كالتوراة والزبور والإنجيل، هُدىً ودلالة على الشيء المطلوب، وَذِكْرى لما كان منسيا فذكر به تعالى في كتبه. وانتصب هُدىً وَذِكْرى على أنهما مفعولان له، أو على أنهما مصدران في موضع الحال.
ثم أمر تعالى نبيه بالصبر فقال : فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ
من قوله : إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا، فلا بد من نصرك على أعدائك. وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف. وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، قال ابن عطية : يحتمل أن يكون قبل إعلام اللّه تعالى إياه أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لأن آية هذه السورة مكية، وآية سورة الفتح مدينة متأخرة، ويحتمل أن يكون الخطاب له في هذه الآية، والمراد أنه إذا أمر هو بهذا فغيره أحرى بامتثاله. وقال أبو عبد اللّه الرازي : محمول على التوبة من ترك الأفضل والأولى. وقيل : المقصود منه محض تعبد، كما في قوله تعالى : رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ «١»، فإن إيتاء ذلك الشيء واجب، ثم إنه أمرنا بطلبه. وقيل : لِذَنْبِكَ : لذنب أمتك في حقك. قيل : فأضاف المصدر للمفعول، ثم أمره بتنزيهه تعالى في هذين الوقتين اللذين الناس مشتغلون فيهما بمصالحهم المهمة. ويجوز أن يكون المراد سائر الأوقات، وعبر بالظرفين عن ذلك. وقال ابن عباس :
أراد بذلك الصلوات الخمس. وقال قتادة : صلاة الغداة، وصلاة العصر. وقال الحسن :
ركعتان قبل أن تفرض الصلاة. وعنه أيضا : صلاة العصر، وصلاة الصبح. والظاهر أن المجادلين في آيات اللّه، وهي دلائله التي نصبها على توحيده وكتبه المنزلة، وما أظهر على يد أنبيائه من الخوارق، هم كفار قريش والعرب. بِغَيْرِ سُلْطانٍ : أي حجة وبرهان.
فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ : أي تكبر وتعاظم، وهو إرادة التقدم والرياسة، وذلك هو الحامل

(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٩٤.


الصفحة التالية
Icon