البحر المحيط، ج ٩، ص : ٢٦٤
حكى : مررت بكل قائما، وببعض جالسا في الفصيح الكثير في كلامهم، وقد شذ نصب كل على الحال في قولهم : مررت بهم كلا، أي جميعا. فإن قلت : كيف يجعله بدلا، وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم، وهو لا يجوز على مذهب البصريين؟ قلت : مذهب الأخفش والكوفيين جوازه، وهو الصحيح، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف، بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة، جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب، لا نعلم خلافا في ذلك، كقوله تعالى : تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا «١»، وكقولك : مررت بكم صغيركم وكبيركم، معناه : مررت بكم كلكم، وتكون لنا عيدا كلنا. فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة، فجوازه فيما دل على الإحاطة، وهو كل أولى، ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه، لأنه بدل من ضمير المتكلم، لأنه لم يتحقق مناط الخلاف.
ولما أجاب الضعفاء المستكبرون قالوا جميعا : لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ، وأبرز ما أضيف إليه الخزنة، ولم يأت ضميرا، فكان يكون التركيب لخزنتها، لما في ذكر جهنم من التهويل، وفيها أطغى الكفار وأعتاهم. ولعل الكفار توهموا أن ملائكة جهنم الموكلين بعذاب تلك الطغاة هم أقرب منزلة عند اللّه من غيرهم من الملائكة الموكلين ببقية دركات النار، فرجوا أن يجيبوهم ويدعوا لهم بالتخفيف، فراجعتهم الخزنة على سبيل التوبيخ لهم والتقرير : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ، فأجابوا بأنهم أتتهم، قالُوا : أي الخزنة، فَادْعُوا أنتم على معنى الهزء بهم، أو فادعوا أنتم، فإنا لا نجترئ على ذلك.
والظاهر أن قوله : وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ من كلام الخزنة : أي دعاؤكم لا ينفع ولا يجدي. وقيل : هو من كلام اللّه تعالى إخبارا منه لمحمد صلى اللّه عليه وسلم. وجاءت هذه الأخبار معبرا عنها بلفظ الماضي الواقع لتيقن وقوعها.
ثم ذكر تعالى أنه ينصر رسله ويظفرهم بأعدائهم، كما فعل بموسى عليه السلام، حيث أهلك عدوّه فرعون وقومه، وفيه تبشير للرسول عليه السلام بنصره على قومه، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، العاقبة الحسنة لهم، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ : وهو يوم القيامة. قال ابن عباس : ينصرهم بالغلبة، وفي الآخرة بالعذاب. وقال السدّي : بالانتقام من أعدائهم. وقال أبو العالية : بإفلاح حجتهم. وقال السدّي أيضا : ما قتل قوم قط نبيّا أو قوما من دعاة الحق إلا بعث اللّه من ينتقم لهم، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا. انتهى. ألا ترى إلى قتلة