البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٤٣
قال ذلك بما علمت هي وفهمت، ذكر هو نعمة اللّه عليه وعلى آبائه. انتهى ملخصا. وقال الزمخشري : وأوتينا العلم من كلام سليمان وملائه، فإن قلت : علام عطف هذا الكلام وبما اتصل؟ قلت : لما كان المقام الذي سئلت فيه عن عرشها، وأجابت بما أجابت به مقاما، أجرى فيه سليمان وملأه ما يناسب قولهم : وَأُوتِينَا الْعِلْمَ، نحو أن يقولوا عند قولها : كَأَنَّهُ هُوَ، قد أصابت في جوابها، فطبقت المفصل، وهي عاقلة لبيبة، وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة اللّه وصحة النبوّة بالآيات التي تقدمت عند وفدة المنذر.
وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها عطفوا على ذلك قولهم : وأوتينا نحن العلم باللّه وبقدرته وبصحة نبوّة سليمان ما جاء من عنده قبل علمها، ولم نزل نحن على دين الإسلام، شكروا اللّه على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم باللّه والإسلام قبلها وصدها عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهراني الكفرة. ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولا بقولها كَأَنَّهُ هُوَ، والمعنى : وأوتينا العلم باللّه وبقدرته وبصحة نبوة سليمان قبل هذه المعجزة، أو قبل هذه الحالة، يعني ما تبينت من الآيات عند وفدة المنذر ودخلنا في الإسلام. ثم قال اللّه تعالى : وَصَدَّها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل. وقيل : وصدها اللّه أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار واتصال الفعل.
انتهى. أما قوله : ويجوز أن يكون من كلام بلقيس، فهو قول قد تقدم إليه على سبيل التعيين لا الجواز. قيل : والمعنى وأوتينا العلم بصحة نبوته بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة، يعني إحضار العرش. وكنا مسلمين مطيعين لأمرك منقادين لك. والظاهر أن الفاعل بصدّها هو قوله : ما كانَتْ تَعْبُدُ، وكونه اللّه أو سليمان، وما مفعول صدّها على إسقاط حرف الجر، قاله الطبري، وهو ضعيف لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، نحو قوله :
تمرون الديار ولم تعوجوا أي عن الديار، وليس من مواضع حذف حرف الجر. وإذا كان الفاعل هو ما كانت بالمصدود عنه، الظاهر أنه الإسلام. وقال الرماني : التقدير التفطن للعرش، لأن المؤمن يقظ والكافر خبيث. والظاهر أن قوله : وَصَدَّها معطوف على قوله : وَأُوتِينَا، إذا كان من كلام سليمان، وإن كان يحتمل ابتداء إخبار من اللّه تعالى لمحمد نبيه ولأمته. وإن كان وأوتينا من كلام بلقيس، فالظاهر أنه يتعين كونه من قول اللّه تعالى وقول من قال إنه متصل بقوله : أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ. والواو في صدها للحال، وقد مضمرة


الصفحة التالية
Icon