البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٣٩
في قصد سليمان استدعاء عرشها. فقال قتادة، وابن جريج : لما وصف له عظم عرشها وجودته، أراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإسلام ويمنع أخذ أموالهم، والإسلام على هذا الدين، وهذا فيه بعد أن يقع ذلك من نبي أوتي ملكا لم يؤته غيره. وقال ابن عباس، وابن زيد : استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند اللّه، وليغرب عليها سليمان والإسلام على هذا الاستسلام. وأشار الزمخشري لقول فقال : ولعله أوحي إليه عليه السلام باستيثاقها من عرشها، فأراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه به من إجراء العجائب على يده، مع اطلاعها على عظيم قدرة اللّه تعالى، وعلى ما يشهد لنبوة سليمان ويصدقها. انتهى.
وقال الطبري : أراد أن يختبر صدق الهدهد في قوله : وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ، وهذا فيه بعد، لأنه قد ظهر صدقة في حمل الكتاب، وما ترتب على حمله من مشورة بلقيس قومها وبعثها بالهدية. وقيل : أراد أن يؤتي به، فينكر ويغير، ثم ينظر أتثبته أم تنكره، اختبارا لعقلها.
والظاهر ترتيب هذه الأخبار على حسب ما وقعت في الوجود، وهو قول الجمهور. وعن ابن عباس أنه قال : أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها؟ حين ابتدأ النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال : وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ. ففي ترتيب القصص تقديم وتأخير، وفي قوله : أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها دليل على جواز الاستعانة ببعض الأتباع في مقاصد الملوك، ودليل على أنه قد يخص بعض أتباع الأنبياء بشيء لا يكون لغيرهم، ودليل على مبادرة من طلبه منه الملوك قضاء حاجة، وبداءة الشياطين في التسخير على الإنس، وقدرتهم بأقدار اللّه على ما يبعد فعله من الإنس. وقرأ الجمهور : عفريت، وأبو حيوة : بفتح العين. وقرأ أبو رجاء، وأبو السماك، وعيسى، ورويت عن أبي بكر الصديق : عفرية، بكسر العين، وسكون الفاء، وكسر الراء، بعدها ياء مفتوحة، بعدها تاء التأنيث. وقال ذو الرمة :
كأنه كوكب في إثر عفرية مصوّب في سواد الليل مقتضب
وقرأت فرقة : عفر، بلا ياء ولا تاء، ويقال في لغة طيىء وتميم : عفراة بالألف وتاء التأنيث، وفيه لغة سادسة عفارية، ويوصف بها الرجل، ولما كان قد يوصف به الإنس خص بقوله من الجن. وعن ابن عباس : اسمه صخر. وقيل : كوري. وقيل : ذكران.
وآتِيكَ : يحتمل أن يكون مضارعا واسم فاعل. وقال قتادة، ومجاهد، ووهب : مِنْ مَقامِكَ : أي من مجلس الحكم، وكان يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم. وقيل :
قبل أن تستوي من جلوسك قائما. وَإِنِّي عَلَيْهِ : أي على الإتيان به لقوي على حمله