البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٣٣
من الإمام، يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى الإسلام. وقد كتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى كسرى وقيصر وغيرهما ملوك العرب. وقال وهب : أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدّب به الملوك، بمعنى : وكن قريبا بحيث تسمع مراجعاتهم. وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه، أي ألقه وارجع. قال : وقوله : فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ في معنى التقديم على قوله : ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ. انتهى. وقاله أبو علي، ولا ضرورة تدعو إلى التقديم والتأخير، بل الظاهر أن النظر معتقب التولي عنهم. وقرىء في السبعة : فألقه، بكسر الهاء وياء بعدها، وباختلاس الكسرة وبسكون الهاء. وقرأ مسلم بن جندب : بضم الهاء وواو بعدها، وجمع في قوله : إِلَيْهِمْ الهدهد قال : وَجَدْتُها وَقَوْمَها. وفي الكتاب أيضا ضمير الجمع في قوله : أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى «١»، والكتاب كان فيه الدعاء إلى الإسلام لبلقيس وقومها. ومعنى : فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ : أي تأمل واستحضره في ذهنك. وقيل معناه :
فانتظر. ماذا : إن كان معنى فانظر معنى التأمل بالفكر، كان انظر معلقا، وماذا : إما كلمة استفهام في موضع نصب، وإما أن تكون ما استفهاما وذا موصول بمعنى الذي. فعلى الأول يكون يرجعون خبرا عن ماذا، وعلى الثاني يكون ذا هو الخبر ويرجعون صلة ذا. وإن كان معنى فانظر : فانتظر، فليس فعل قلب فيعلق، بل يكون ماذا كله موصولا بمعنى الذي، أي فانتظر الذي يرجعون، والمعنى : فانظر ماذا يرجعون حتى ترد إلى ما يرجعون من القول.
قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ، قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ، قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ، وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ، فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ.
في الكلام حذف تقديره : فأخذ الهدهد الكتاب وذهب به إلى بلقيس وقومها وألقاه إليهم، كما أمره سليمان. فقيل : أخذه بمنقاره. وقيل : علقه في عنقه، فجاءها حتى وقف على رأسها، وحولها جنودها، فرفرف بجناحيه، والناس ينظرون إليه، حتى رفعت رأسها،