البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٦٦
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد
فجعني البرق والصواعق بالفا رس يوم الكريهة النجد
وهذه الصلات الأربع التي وصلت بها الذي تدل على القدرة الباهرة، والتصرف التام في العالم العلوي والسفلي، فالمتصف بها ينبغي أن لا يجادل فيه، وأن يعتقد ما هو عليه من الصفات العلوية، والضمير في وهم يجادلون، عائد على الكفار المكذبين للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، المنكرين الآيات، يجادلون في قدرة اللّه على البعث وإعادة الخلق بقولهم :
مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ «١» وفي وحدانيته باتخاذ الشركاء والانداد. ونسبة التوالد إليه بقولهم : الملائكة بنات اللّه تعالى والمعنى : أنه عز وجل متصف بهذه الأوصاف، ومع ذلك رتبوا عليها غير مقتضاها من المجادلة فيه وفي أوصافه تعالى، وكان مقتضاها التسليم لما جاءت به الأنبياء. وقيل : وهم يجادلون حال من مفعول يشاء أي : فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم كما جرى لليهودي. وكذلك الجبار، ولاربد. وهو شديد المحال، جملة حالية من الجلالة. وقرأ الجمهور : المحال بكسر الميم. فعن ابن عباس : المحال العداوة، وعنه الحقد. وعن عليّ : الأخذ،
وعن مجاهد : القوة. وعن قطرب : الغضب.
وعن الحسن : الهلاك بالمحل، وهو القحط. وقرأ الضحاك والأعرج : المحال بفتح الميم.
فعن ابن عباس : الحول. وعن عبيدة : الحيلة. يقال : المحال والمحالة وهي الحيلة، ومنه قول العرب في مثل : المرء يعجز لا المحالة. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى شديد العقاب، ويكون مثلا في القوة والقدرة، كما جاء : فساعد اللّه أشد، وموساه أحد، لأنّ الحيوان إذا اشتد غاية كان منعوتا بشدّة القوة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره. ألا ترى إلى قولهم : فقرته الفواقر، وذلك أنّ الفقار عمود الظهر وقوامه. والضمير في له عائد على اللّه تعالى، ودعوة الحق قال ابن عباس : دعوة الحق لا إله إلا اللّه، وما كان من الشريعة في معناها. وقال علي بن أبي طالب، دعوة الحق التوحيد.
وقال الحسن : إن اللّه هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق. وقيل : دعوة الحق دعاؤه عند الخوف، فإنه لا يدعى فيه إلا هو، كما قال : ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ «٢» قال الماوردي : وهو أشبه بسياق الآية. وقيل : دعوة الطلب الحق أي : مرجو الإجابة، ودعاء غير اللّه لا يجاب. وقال الزمخشري : فيه وجهان.
أحدهما : أن تضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل، كما تضاف الكلمة إليه في

(١) سورة يس : ٣٦/ ٧٨.
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ٦٧.


الصفحة التالية
Icon