لباب التأويل، ج ٤، ص : ١٧١
اللّه. وقيل : قال أهل مكة قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا، فتحدث العرب أنهم دخلوا علينا رغما منا واللات والعزى لا يدخلونها علينا فكانت هذه حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ التي دخلت قلوبهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي : حتى لا يدخلهم ما دخلهم في الحمية فيعصون اللّه في قتالهم وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى.
قال ابن عباس :«كلمة التقوى لا إله إلا اللّه» وأخرجه الترمذي. وقال : حديث غريب. وقال علي وابن عمر : كلمة التقوى لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وقال عطاء الخراساني : هي لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الزهري : هي بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَكانُوا أَحَقَّ بِها أي من كفار مكة وَأَهْلَها أي كانوا أهلها في علم اللّه، لأن اللّه تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أهل الخير والصلاح وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً يعني من أمر الكفار وما كانوا يستحقونه من العقوبة وأمر المؤمنين وما كانوا يستحقونه من الخير.
قوله تعالى : لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ سبب نزول هذه الآية أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى في المنام وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل المسجد الحرام هو وأصحابه آمنين ويحلقوا رؤوسهم فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا، شق عليهم ذلك وقال المنافقون : أين رؤياه التي رآها؟ فأنزل اللّه هذه الآية ودخلوا في العام المقبل.
وروي عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال :«شهدنا الحديبية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعضهم : ما بال الناس؟ قال : أوحي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال : فخرجنا نرجف فوجدنا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم واقفا على راحلته عند كراع الغميم فلما اجتمع الناس قرأ «إنا فتحنا لك فتحا مبينا» فقال عمر : أهو فتح يا رسول اللّه؟ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال : نعم والذي نفسي بيده» ففيه دليل على أن المراد من الفتح هو صلح الحديبية، وتحقيق الرؤيا كان في العام المقبل. وقوله : لقد صدق اللّه ورسوله الرؤيا بالحق، أخبر أن الرؤيا التي أراه إياها في مخرجه إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد حق وصدق بالحق أي الذي رآه حق وصدق وقيل : يجوز أن يكون بالحق قسما لأن الحق من أسماء اللّه تعالى أو قسما بالحق الذي هو ضد الباطل وجوابه لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ وقيل : لتدخلن من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه حكاية عن رؤياه فأخبر اللّه عز وجل أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال ذلك إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ قيل : إنما استثني مع علمه بدخوله تعليما لعباده الأدب وتأكيدا لقوله :«و لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء اللّه» وقيل : إن بمعنى إذ مجازه إذ شاء اللّه.
وقيل : لما لم يقع الدخول في عام الحديبية وكان المؤمنون يريدون الدخول ويأبون الصلح قال : لتدخلن المسجد الحرام لا بقوتكم وإرادتكم ولكن بمشيئة اللّه تعالى، وقيل : الاستثناء واقع على إلا من لا على الدخول لأن الدخول لم يكن فيه شك فهو كقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«و إنا إن شاء اللّه بكم لاحقون» مع أنه لا يشك في الموت مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ أي كلها وَمُقَصِّرِينَ أي تأخذون بعض شعوركم لا تَخافُونَ أي من عدو في رجوعكم لأن قوله آمنين في حال الإحرام لأنه لا قتال فيه. وقوله : لا تخافون يرجع إلى كمال الأمن بعد الإحرام في حال الرجوع فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا يعني علم أن الصلاح كان في الصلح وتأخير الدخول وكان ذلك سببا لوطء المؤمنين والمؤمنات.
وقيل : علم أن دخولكم في السنة الثانية ولم تعلموا أنتم فظننتم أنه في السنة الأولى فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي من قبل دخولكم الحرم فَتْحاً قَرِيباً يعني صلح الحديبية قاله الأكثرون. وقيل : هو فتح خيبر قوله عز وجل :


الصفحة التالية
Icon