وقال ابن عاشور :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) ﴾
ابتدئت بالقسم تشويقاً لما يرد بعده وأطيلت جملة القسم زيادة في التشويق.
و﴿ لا أقسم ﴾ معناه : أقسم.
وقد تقدم ذلك غير مرة منها ما في سورة الحاقة.
وتقدم القول في : هل حرف النفي مزيد أو هو مستعمل في معناه كناية عن تعظيم أمر المقسم به.
والإِشارة ب"هذا" مع بيانه بالبلد، إشارة إلى حاضر في أذهان السامعين كأنهم يرونه لأن رؤيته متكررة لهم وهو بلد مكة، ومثله ما في قوله :﴿ إنما أُمرت أن أعبد ربَّ هذه البلدة ﴾ [ النمل : ٩١ ].
وفائدة الإِتيان باسم الإِشارة تمييز المقسم به أكْمَلَ تمييز لقصد التنويه به.
والبلد : جانب من متسع من أرض عامرةً كانتْ كما هو الشائع أم غامرة كقول رؤبة بن العجاج :
بلْ بَلَدٍ ملءُ الفجاج قَتمُه
وأطلق هنا على جانب من الأرض مجعولة فيه بيوت من بناء وهو بلدة مكة والقسم بالبلدة مع أنها لا تدل على صفة من صفات الذات الإلهية ولا من صفات أفعاله كنايةٌ عن تعظيم الله تعالى إياه وتفضيله.
وجملة :﴿ وأنت حل بهذا البلد ﴾ معترضة بين المتعاطفات المقسم بها والواو اعتراضية.
والمقصود من الاعتراض يختلف باختلاف محمل معنى ﴿ وأنت حل ﴾ فيجوز أن يكون ﴿ حل ﴾ اسم مصدرِ أحَلّ، أي أباح، فالمعنى وقد جعلَك أهلُ مكة حلالاً بهذا البلد الذي يحرم أذى صيده وعَضْدُ شجره، وهم مع ذلك يُحلون قتلك وإخراجَك، قال هذا شُرَحْبيل بن سعد فيكون المقصود من هذا الاعتراض التعجيب من مضمون الجملة وعليه فالإِخبار عن ذات الرسول ﷺ بوصف ﴿ حِلّ ﴾ يقدر فيه مضاف يعيِّنه ما يصلح للمقام، أي وأنت حلال منك ما حُرِّم من حقِّ ساكن هذا البلد من الحُرمة والأمن.
والمعنى التعريض بالمشركين في عدوانهم وظلمهم الرسول ﷺ في بلد لا يظلمون فيه أحداً.