ولله أن يُقْسم بما يشاء من مخلوقاته لتعظيمها، كما تقدم.
والإنسان هنا ابن آدم.
﴿ فِي كَبَدٍ ﴾ أي في شدّة وعناء من مكابدة الدنيا.
وأصل الكَبَد الشدّة.
ومنه تَكَبَّد اللبن : غلُظ وخَثُر واشتدّ.
ومنه الكَبِد ؛ لأنه دم تغلّظ واشتدّ.
ويقال : كابدت هذا الأَمر : قاسيت شدّته.
قال لَبيد :
يا عينُ هلاَّ بكيتِ أربدَ إذْ...
قُمْنا وقام الخصومُ في كَبَدِ
قال ابن عباس والحسن :"في كَبَد" أي في شدّة ونَصَب.
وعن ابن عباس أيضاً : في شدّة من حمله وولادته ورضاعه ونَبْت أسنانه، وغير ذلك من أحواله.
وروى عكرمة عنه قال : منتصباً في بطن أمّه.
والكَبَد : الاستواء والاستقامة.
فهذا امتنان عليه في الخلقة.
ولم يخلق الله جل ثناؤه دابة في بطن أمها إلا منكَبة على وجْهها إلا ابن آدم، فإنه منتصِب انتصاباً ؛ وهو قول النَخعِيّ ومجاهد وغيرهما.
ابن كيسان : منتصباً رأسُه في بطن أمه ؛ فإذا أَذِن الله أن يخرج من بطن أمه قَلَبَ رأسَه إلى رجلي أمّه.
وقال الحسن : يُكابِد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
وعنه أيضاً : يكابد الشكر على السَّرَّاء ويكابد الصبرَ على الضَّرَّاء ؛ لأنه لا يخلو من أحدهما.
ورواه ابن عمر.
وقال يَمانٌ : لم يخلق الله خلقاً يكابد ما يكابد ابن آدم ؛ وهو مع ذلك أضعف الخلق.


الصفحة التالية
Icon