وقال القرطبى :
﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) ﴾
يجوز أن تكون "لا" زائدة ؛ كما تقدّم في ﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ﴾ [ القيامة : ١ ] ؛ قاله الأخفش.
أي أقسم ؛ لأنه قال :﴿ بهذا البلد ﴾ وقد أقسم به في قوله :﴿ وهذا البلد الأمين ﴾ [ التين : ٣ ] فكيف يَجْحَد القسم به وقد أقسم به.
قال الشاعر :
تَذَكَّرتُ ليلى فاعترتني صَبابة...
وكاد صمِيم القلبِ لا يتَقطَّع
أي يتقطع، ودخل حرف "لا" صلة ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] بدليل قوله تعالى في ( ص ) :﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ ﴾ [ ص : ٧٥ ].
وقرأ الحسن والأعمش وابن كثِير "لأُقْسِم" من غير ألف بعد اللام إثباتاً.
وأجاز الأخفش أيضاً أن تكون بمعنى "أَلاَ".
وقيل : ليست بنفي القسم، وإنما هو كقول العرب : لا والله لا فعلت كذا، ولا والله ما كان كذا، ولا والله لأَفْعَلَنّ كذا.
وقيل : هي نفي صحيح ؛ والمعنى : لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه، بعد خروجك منه.
حكاه مكيّ.
ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال :"لا" ردٌّ عليهم.
وهذا اختيار ابن العربيّ ؛ لأنه قال :"وأما من قال إنها ردّ، فهو قول ليس له ردّ ؛ لأنه يصح به المعنى، ويتمكن اللفظ والمراد".
فهو ردّ لكلام من أنكر البعث ثم ابتدأ القسم.
وقال القشيرِيّ : قوله "لا" : ردّ لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة، المغرور بالدنيا.
أي ليس الأمر كما يحسبه، من أنه لن يقدر عليه أحد، ثم ابتدأ القسم.
و"البلد" : هي مكة، أجمعوا عليه.
أي أُقسِم بالبلد الحرام الذي أنت فيه، لكرامتك عليّ وحبي لك.
وقال الواسطيّ أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حياً، وبركتك ميتاً ؛ يعني المدينة.
والأوّل أصح ؛ لأن السورة نزلت بمكة باتفاق.
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (٢)


الصفحة التالية
Icon