وخامسها إذا كانت لا تنفع ولا تضر فلا يرجى منها منفعة ولا يخاف من ضررها فأي فائدة في عبادتها وسادسها إذا كانت لا تحفظ أنفسها عن الكسر والإفساد على ما حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه كسرها وجعلها جذاذاً فأي رجاء للغير فيها واعلم أنه عاب الوثن من ثلاثة أوجه أحدها لا يسمع وثانيها لا يبصر وثالثها لا يغني عنك شيئاً كأنه قال له بل الإلهية ليست إلا لربي فإنه يسمع ويجيب دعوة الداعي ويبصر كما قال إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ( طه ٤٦ ) ويقضي الحوائج أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ( النمل ٦٢ ) واعلم أن قوله ههنا لِمَ تَعْبُدُ محمول على نفس العبادة وأما قوله في المقام الثالث لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ لا يقال ذلك بل المراد الطاعة لأنهم ما كانوا يعبدون الشيطان فوجب حمله على الطاعة ولأنا نقول ليس إذا تركنا الظاهر ههنا لدليل وجب ترك الظاهر في المقام الأول بغير دليل فإن قيل إما أن يقال إن أبا إبراهيم كان يعتقد في تلك الأوثان أنها آلهة بمعنى أنها قادرة مختارة موجدة للناس والحيوانات أو يقال إنه ما كان يعتقد ذلك بل كان يعتقد أنها تماثيل الكواكب والكواكب هي الآلهة المدبرة لهذا العالم فتعظيم تماثيل الكواكب بموجب تعظيم الكواكب أو كان يعتقد أن هذه الأوثان تماثيل أشخاص معظمة عند الله تعالى من البشر فتعظيمها يقتضي كون أولئك الأشخاص شفعاء لهم عند الله تعالى أو كان يعتقد أن تلك الأوثان طلسمات ركبت بحسب اتصالات مخصوصة للكواكب قلما يتفق مثلها وأنها مشفع بها أو غير ذلك من الأعذار المنقولة عن عبدة الأوثان فإن كان أبو إبراهيم من القسم الأول كان في نهاية الجنون لأن العلم بأن هذا الخشب المنحوت في هذه الساعة ليس خالقاً للسموات والأرض من أجلى العلوم الضرورية فالشاك فيه يكون فاقداً لأجلى العلوم الضرورية فكان مجنوناً والمجنون لا يجوز إيراد الحجة عليه والمناظرة معه وإن كان من القسم الثاني فهذه الدلائل لا تقدح في شيء من ذلك لأن ذلك المذهب إنما يبطل بإقامة الدلالة على أن الكواكب ليست أحياء ولا قادرة على خلق الأجسام وخلق الحياة ومعلوم أن الدليل المذكور ههنا لا يفيد ذلك المطلوب فعلمنا أن هذه الدلالة عديمة الفائدة على كل التقديرات قلنا لا نزاع أنه لا يخفى على العاقل أن الخشبة المنحوتة لا تصلح لخلق العالم وإنما مذهبهم هذا على الوجه الثاني وإنما أورد إبراهيم عليه السلام هذه الدلالة عليهم لأنهم كانوا يعتقدون أن عبادتها تفيد نفعاً إما على سبيل الخاصية الحاصلة من الطلسمات أو على سبيل أن الكواكب تنفع وتضر فبين إبراهيم عليه السلام أنه لا منفعة في طاعتها ولا مضرة في الإعراض عنها فوجب أن لا تحسن عبادتها النوع الثاني قوله شَيْئاً ياأَبَتِ إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِى أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً ومعناه ظاهر وطمع في التمسك به أهل التعليم وأهل التقليد أما أهل التعليم فقالوا إنه أمره بالإتباع في الدين وما أمره بالتمسك بدليل لا يستفاد إلا من الإتباع وأما أهل التقليد فقد تمسكوا به أيضاً من هذا الوجه ومن الناس من طعن أنه أمره بالإتباع لتحصل الهداية فإذن لا تحصل الهداية إلا باتباعه ولا تبعية إلا إذا اهتدى لقولنا إنه لا بد من اتباعه فيقع الدور وإنه باطل ( والجواب ) عن الأول أن المراد بالهداية بيان الدليل وشرحه وإيضاحه فعند هذا عاد السائل فقال أنا لا أنكر أنه لا بد من الدلالة ولكني أقول الوقوف على تلك الدلالة لا يستفاد إلا ممن له نفس كاملة بعيدة عن النقص والخطأ وهي نفس النبي المعصوم أو الإمام المعصوم فإذا سلمت أنه لا بد من النبي في هذا المقصود فقد سلمت حصول الغرض أجاب المجيب وقال أنا ما سلمت أنه لا بد في الوقوف على الدلائل من هداية النبي ولكني أقول هذا الطريق أسهل وإن إبراهيم عليه السلام