المسألة الثالثة قال القاضي السلام عبارة عما يحصل به الأمان ومنه السلامة في النعم وزوال الآفات فكأنه سأل ربه وطلب منه ما أخبر الله تعالى أنه فعله بيحيى ولا بد في الأنبياء من أن يكونوا مستجابي الدعوة وأعظم أحوال الإنسان احتياجاً إلى السلامة هي هذه الأحوال الثلاثة وهي يوم الولادة ويوم الموت ويوم البعث فجميع الأحوال التي يحتاج فيها إلى السلامة واجتماع السعادة من قبله تعالى طلبها ليكون مصوناً عن الآفات والمخافات في كل الأحوال واعلم أن اليهود والنصارى ينكرون أن عيسى عليه السلام تكلم في زمان الطفولية واحتجوا عليه بأن هذا من الوقائع العجيبة التي تتوافر الدواعي على نقلها فلو وجدت لنقلت بالتواتر ولو كان ذلك لعرفه النصارى لا سيما وهم من أشد الناس بحثاً عن أحواله وأشد الناس غلواً فيه حتى زعموا كونه إلهاً ولا شك أن الكلام في الطفولية من المناقب العظيمة والفضائل التامة فلما لم تعرفه النصارى مع شدة الحب وكمال البحث عن أحواله علمنا أنه لم يوجد ولأن اليهود أظهروا عداوته حال ما أظهر ادعاء النبوة فلو أنه عليه السلام تكلم في زمان الطفولية وادعى الرسالة لكانت عداوتهم معه أشد ولكان قصدهم قتله أعظم فحيث لم يحصل شيء من ذلك علمنا أنه ما تكلم أما المسلمون فقد احتجوا من جهة العقل على أنه تكلم فإنه لولا كلامه الذي دلهم على براءة أمه من الزنا لما تركوا إقامة الحد على الزنا عليها ففي تركهم لذلك دلالة على أنه عليه السلام تكلم في المهد وأجابوا عن الشبهة الأولى بأنه ربما كان الحاضرون عند كلامه قليلين فلذلك لم يشتهر وعن الثاني لعل اليهود ما حضروا هناك وما سمعوا كلامه فلذلك لم يشتغلوا بقصد قتله
ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
وفيه مسائل
المسألة الأولى قرأ عاصم وابن عامر قَوْلَ الْحَقّ بالنصب وعن ابن مسعود قَالَ الْحَقّ و قَالَ اللَّهُ وعن الحسن قَوْلَ الْحَقّ بضم القاف وكذلك في الأنعام قوله الْحَقّ والقول والقال القول في معنى واحد كالرهب والرهب والرهب أما ارتفاعه فعلى أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة الله أو على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كقولك هو عند الله الحق لا الباطل والله أعلم
المسألة الثانية لا شبهة أن المراد بقوله ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الإشارة إلى ما تقدم وهو قوله قَالَ إِنّى عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِى َ ( مريم ٣٠ ) أي ذلك الموصوف بهذه الصفات هو عيسى ابن مريم وفي قوله عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إشارة إلى أنه ولد هذه المرأة وابنها لا أنه ابن الله فأما قوله الْحَقّ ففيه وجوه أحدها وهو أن نفس عيسى عليه السلام هو قول الحق وذلك لأن الحق هو اسم الله فلا فرق بين أن نقول عيسى كلمة الله وبين أن نقول عيسى قول الحق وثانيها أن يكون المراد ( ذلك عيسى ابن مريم القول الحق ) إلا أنك أضفت الموصوف إلى الصفة فهو كقوله إِنَّ هَاذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ( الواقعة ٩٥ ) وفائدة قولك القول الحق تأكيد