المسألة الرابعة أن جبريل عليه السلام أجابها بقوله قَالَ كَذالِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَى َّ هَيّنٌ وهو كقوله في آل عمران كَذالِكَ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ( آل عمران ٤٧ ) لا يمتنع عليه فعل ما يريد خلقه ولا يحتاج في إنشائه إلى الآلات والمواد
المسألة الخامسة الكناية في هُوَ عَلَى َّ هَيّنٌ وفي قوله وَلِنَجْعَلَهُ ءايَة ً لّلْنَّاسِ تحتمل وجهين الأول أن تكون راجعة إلى الخلق أي أن خلقه علي هين ولنجعل خلقه آية للناس إذ ولد من غير ذكر ورحمة منا يرحم عبادنا بإظهار هذه الآيات حتى تكون دلائل صدقه أبهر فيكون قبول قوله أقرب الثاني أن ترجع الكنايات إلى الغلام وذلك لأنها لما تعجبت من كيفية وقوع هذا الأمر على خلاف العادة أعلمت أن الله تعالى جاعل ولدها آية على وقوع ذلك الأمر الغريب فأما قوله تعالى وَرَحْمَة ً مّنَّا فيحتمل أن يكون معطوفاً على وَلِنَجْعَلَهُ ءايَة ً لّلْنَّاسِ أي فعلنا ذلك وَرَحْمَة ً مّنَّا فعلنا ذلك ويحتمل أن يكون معطوفاً على الآية أي ولنجعله آية ورحمة فعلنا ذلك
المسألة السادسة قوله وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً المراد منه أنه معلوم لعلم الله تعالى فيمتنع وقوع خلافه لأنه لو لم يقع لانقلب علم الله جهلاً وهو محال والمفضي إلى المحال محال فخلافه محال فوقوعه واجب وأيضاً فلأن جميع الممكنات منتهية في سلسلة القضاء والقدر إلى واجب الوجود والمنتهي إلى الواجب انتهاء واجباً يكون واجب الوجود وإذا كان واجب الوجود فلا فائدة في الحزن والأسف وهذا هو سر قوله عليه السلام ( من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب )
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَة ِ قَالَتْ يالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَاذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً
وفيه مسائل
المسألة الأولى ذكر الله تعالى أمر النفخ في آيات فقال فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ( التحريم ١٢ ) أي في عيسى عليه السلام كما قال لآدم عليه السلام وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى ( الحجر ٢٩ ) وقال فنفخنا فيها لأن عيسى عليه السلام كان في بطنها واختلفوا في النافخ فقال بعضهم كان النفخ من الله تعالى لقوله فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وظاهره يفيد أن النافخ هو الله تعالى لقوله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ( آل عمران ٥٩ ) ومقتضى التشبيه حصول المشابهة إلا فيما أخرجه الدليل وفي حق آدم النافخ هو الله تعالى لقوله تعالى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فكذا ههنا وقال آخرون النافخ هو جبريل عليه السلام لأن الظاهر من قول جبريل عليه السلام لاِهَبَ لَكِ ( مريم ١٩ ) أنه أمر أن يكون من قبله حتى يحصل الحمل لمريم عليها السلام فلا بد من إحالة النفخ إليه ثم اختلفوا في كيفية ذلك النفخ على قولين الأول قول وهب إنه نفخ جبريل في جيبها حتى وصلت إلى الرحم الثاني في ذيلها فوصلت إلى الفرج الثالث قول السدي أخذ بكمها فنفخ في جنب درعها فدخلت النفخة صدرها فحملت فجاءتها أختها امرأة زكريا