ولما كان المراد من هذه الصفات في حق الله تعالى غاياتها، وكان ذكرها إنما هو تصوير له بأفظع صورها لزيادة التنفير من أسبابها، وكانوا ينكحون نساء الآباء مع أنهم يسمونه نكاح المقت، نبه على أنهم لا يبالون بالتمقت إلى المحسن، فقال ذاكراً للغاية مبيناً أن محط نظرهم الخسارة المالية تسفيلاً لهممهم زيادة في توبيخهم :﴿ولا يزيد الكافرين﴾ أي العريقين في صفة التغطية للحق ﴿كفرهم إلا خساراً*﴾ أي في الدنيا والآخرة في المال والنفس وهو نهاية ما يفعله الماقت بالممقوت.
ولما بيّن أنه سبحانه هو الذي استخلفهم، أكد بيان ذلك عندهم بأمره ﷺ بما يضطرهم إلى الإعتراف به فقال :﴿قل أرايتم﴾ أي أخبروني ﴿شركاءكم﴾ أضافهم إليهم لأنهم وإن كانوا جعلوهم شركاءه لم ينالوا شيئاً من شركته لأنهم ما نقصوه شيئاً من ملكه، وإنما شاركوا العابدين في أموالهم بالشوائب وغيرها وفي أعمالهم فهم شركاؤهم بالحقيقة لا شركاؤه، ثم بين المراد من عدهم لهم شركاء بقوله :﴿الذين تدعون﴾ أي تدعونهم شركاء ﴿من دون الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال.
ولما كان التقدير : بأي شيء جعلتموهم شركاء في العبادة، ألهم شرك في الأرض، بنى عليه قوله مككراً لإشهادهم عجز شركائهم ونقص من عبدوه من دونه :
٢٣٢
﴿أروني ماذا﴾ أي الذي أو أي شيء ﴿خلقوا من الأرض﴾ أي لتصح لكم دعوى الشركة فيهم، وإلا فادعاؤكم ذلك فيهم كذب محض وأنتم تدعون أنكم أبعد الناس منه في الأمور الهينة فكيف بمثل هذا، ولعل استفهامهم عن رؤية شركائهم تنبيه على أنهم من الامتهان والحقارة بحيث يراهم كل من يقصد رؤيتهم ويعلم أنه لا خلق لهم، والله تعالى، بخلاف ذلك في كل من الأمرين، مترد برداء الكبر محتجب بحجاب الجلال والعز، وكل أحد يعلم أنه خالق لكل مخلوق، فكيف يكون من لا يخلق كمن يخلق.


الصفحة التالية
Icon