وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الريح تصرف حالا فحالا
فالمراد بالإسلام في هذه الأبيات: الاستسلام والانقياد، وإذا حمل الإسلام في قوله: ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ أنقذنا واستسلمنا بالألسنة والجوارح. فلا إشكال في الآية.
وعلى هذا القول فالأعراب المذكورون منافقون، لأنهم مسلمون في الظاهر، وهم كفار في الباطن.
الوجه الثاني: أن المراد بنفي الإيمان في قوله: ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ نفي كمال الإيمان، لا نفيه من أصله.
وعليه فلا إشكال أيضا، لأنهم مسلمون مع أن إيمانهم غير تام، وهذا لا إشكال فيه عند أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان يزيد وينقص.
وإنما استظهرنا الوجه الأول، وهو أن المراد الإسلام معناه اللغوي دون الشرعي، وأن الأعراب المذكورين كفار في الباطن وإن أسلموا في الظاهر، لأن قوله جل وعلا: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ يدل على ذلك دلالة كما ترى، لأن قوله: ﴿يَدْخُلِ﴾ فعل في سياق النفي وهو من صيغ العموم كما أوضحناه مرارا، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
ونحو لا شربت أو إن شربا واتفقوا إن مصدر قد جلبا
فقوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ : في معنى لا دخول للإيمان في قلوبكم.
والذين قالوا بالثاني. قالوا: إن المراد بنفي دخوله نفي كماله، والأول أظهر كما ترى.
وقوله تعالى: في هذه الآية الكريمة: ﴿قَالَتِ الأعراب﴾ : المراد به بعض الأعراب، وقد استظهرنا أنهم منافقون لدلالة القرآن على ذلك، وهم من جنس الأعراب الذين قال الله فيهم: ﴿وَمِنَ الأعراب مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ [التوبة: ٩٨]، وإنما قلنا إن المراد بعض الأعراب في هذه الآية، لأن الله بين في موضع آخر أن منهم من ليس كذلك، وذلك في قوله تعالى: {وَمِنَ الأعراب مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر


الصفحة التالية
Icon