وأما السابق إلى الخيرات فهو الذي كمل مراتب الإسلام، وقام بمرتبة الإحسان، فَعَبَدَ الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وبذل ما استطاع من النفع لعباد الله، فكان قلبه ملآنا من محبة الله والنصح لعباد الله، فأدى الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات وفضول المباحات المنقصة لدرجته، فهؤلاء هم صفوة الصفوة، وهم المقربون في جنات النعيم إلى الله، وهم أهل الفردوس الأعلى، فإن الله كما أنه رحيم واسع الرحمة فإنه حكيم ينزل الأمور منازلها، ويعطي كل أحد بحسب حاله ومقامه، فكما كانوا هم السابقين في الدنيا إلى كل خير كانوا في الآخرة في أعلى المنازل، وكما تخيروا من الأعمال أحسنها جعل الله لهم من الثواب أحسنه ; ولهذا كانت عين التسنيم أعلى أشربة أهل الجنة، يشرب منها هؤلاء المقربون صرفا، وتمزج لأصحاب اليمين مزجا في بقية أشربة الجنة، التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه كما قال تعالى :
﴿ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ﴾﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [المطففين : ٢٧ و ٢٨].


الصفحة التالية
Icon