آيات من القرآن الكريم

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

- ٥١ - إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ
- ٥٢ - يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ
- ٥٣ - وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ
- ٥٤ - هُدًى وَذِكْرَى لأُوْلِي الْأَلْبَابِ
- ٥٥ - فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
- ٥٦ - إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع البصير
قَدْ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسلام قتله قومه كيحيى وزكريا وشعيا، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِمَّا مُهَاجِراً إِلَى الله كَإِبْرَاهِيمَ، وَإِمَّا إِلَى السَّمَاءِ كَعِيسَى، فَأَيْنَ النُّصْرَةُ في الدنيا؟ أجاب ابن جرير على ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ خَرَجَ عاماً، والمراد به البعض، وَهَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ. (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم، كما فعل بقتلة يحيى وزكريا، سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مَنْ أَهَانَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ النُّمْرُوذَ أَخَذَهُ اللَّهُ تعالى أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ رَامُوا صَلْبَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْيَهُودِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ تعالى عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم، وهذه نصرة عظيمة، وسنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر، أَنَّهُ يَنْصُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَيُقِرُّ أعينهم ممن آذاهم، ولهذا أهلك الله عزَّ وجلَّ قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ، وَقَوْمَ لُوطٍ وَأَهْلَ مَدْيَنَ وَأَشْبَاهَهُمْ وَأَضْرَابَهُمْ مِمَّنْ كَذَّبَ الرسل وخالف الحق، وأنجى الله تعالى من بينهم

صفحة رقم 247

الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَعَذَّبَ الْكَافِرِينَ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدًا، قَالَ السُّدِّيُّ: "لَمْ يبعث الله عزَّ وجلَّ رَسُولًا قَطُّ إِلَى قَوْمٍ فَيَقْتُلُونَهُ أَوْ قَوْمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُونَ إِلَى الْحَقِّ فَيُقْتَلُونَ، فَيَذْهَبُ ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لَهُمْ مَنْ يَنْصُرُهُمْ، فَيَطْلُبُ بِدِمَائِهِمْ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ: فَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ يُقْتَلُونَ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مَنْصُورُونَ فِيهَا"، وهكذا نصر الله نبيه محمداً ﷺ فَجَعَلَ كَلِمَتَهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَدِينَهُ هُوَ الظَّاهِرَ على سائر الأديان، وأمره بالهجرة إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَجَعَلَ لَهُ فِيهَا أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا، ثُمَّ مَنَحَهُ أَكْتَافَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فنصره عليهم وخذلهم وقتل صناديدهم، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ فَتَحَ عَلَيْهِ مَكَّةَ، فقرت عينه ببلده المشرف المعظم، وَفَتَحَ لَهُ الْيَمَنَ، وَدَانَتْ لَهُ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ بِكَمَالِهَا، وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، ثم قبضه الله تعالى إليه فأقام الله تبارك وتعالى أَصْحَابَهُ خُلَفَاءَ بَعْدَهُ، فَبَلَّغُوا عَنْهُ دِينَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، حَتَّى انْتَشَرَتِ الدَّعْوَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، ثُمَّ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَنْصُورًا ظَاهِرًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكُونُ النُّصْرَةُ أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ وَأَجَلَّ، قَالَ مجاهد: الأشهاد الملائكة ﴿يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ﴾ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ ﴿مَعْذِرَتُهُمْ﴾ أَيْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عُذْرٌ وَلَا فِدْيَةٌ ﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ أَيِ الْإِبْعَادُ وَالطَّرْدُ مِنَ الرَّحْمَةِ، ﴿ولهم سوء الدار﴾ وهي النار، قال السدي: بئس المنزل والمقيل، وقال ابن عباس: أي سوء العاقبة.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى﴾ وَهُوَ مَا بَعَثَهُ الله عزَّ وجلَّ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ، ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكتاب﴾ أي جعلنا لهم العاقبة، وأورثناهم ملك فرعون، وَفِي الْكِتَابِ الَّذِي أُورِثُوهُ وَهُوَ التَّوْرَاةُ ﴿هُدًى وَذِكْرَى لأُوْلِي الْأَلْبَابِ﴾ وَهِيَ الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ السَّلِيمَةُ، وقوله عزَّ وجلَّ ﴿فَاصْبِرْ﴾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حق﴾ أَيْ وَعَدْنَاكَ أَنَّا سَنُعْلِي كَلِمَتَكَ، وَنَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِمَنِ اتَّبَعَكَ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فيه ولا شك، وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ هَذَا تَهْيِيجٌ لِلْأُمَّةِ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ﴾ أَيْ فِي أَوَاخِرِ النَّهَارِ وَأَوَائِلِ اللَّيْلِ ﴿وَالْإِبْكَارِ﴾ وَهِيَ أَوَائِلُ النَّهَارِ وأواخر الليل. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ أَيْ يَدْفَعُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيَرُدُّونَ الْحُجَجَ الصَّحِيحَةَ بِالشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ مِنَ اللَّهِ، ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ﴾ أَيْ مَا فِي صُدُورِهِم إِلَّا كِبَرٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَاحْتِقَارٌ لِمَنْ جَاءَهُمْ بِهِ، وَلَيْسَ مَا يَرُومُونَهُ - مِنْ إخماد الْحَقِّ وَإِعْلَاءِ الْبَاطِلِ - بِحَاصِلٍ لَهُمْ، بَلِ الْحَقُّ هُوَ الْمَرْفُوعُ، وَقَوْلُهُمْ وَقَصْدُهُمْ هُوَ الْمَوْضُوعُ ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ أَيْ مِنْ حَالِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، أَوْ مِنْ شَرِّ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ، هذا تفسير ابن جرير.

صفحة رقم 248
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
عدد الأجزاء
1